مجموعة منتديات التنمية دائما
http://associations.alafdal.net/
http://developpement.ibda3.org
https://www.facebook.com/dimatanmia.dtالمواضيع الأكثر شعبية
بحـث
مجموعة منتديات التنمية دائما
http://associations.alafdal.net/
http://developpement.ibda3.org
https://www.facebook.com/dimatanmia.dtالتعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية بين النظرية والواقع
صفحة 1 من اصل 1
التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية بين النظرية والواقع
التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية بين النظرية والواقع
ذ. الشكاري كريم
باحث في ميدان الجماعات الترابية
حاصل على ماستر قانون الجماعات المحلية باللغة الفرنسية
جامعة محمد الخامس السويسي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
سلا الجديدة
مقدمة
يعتبر التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية بشكل عام نتاجا لصراعين شهدهما المجتمع الدولي، إبان النصف الثاني من القرن العشرين، إذ بادرت الدول الأوروبية مباشرة بعد الحربين العالميتين للبحث عن تأسيس أنواع جديدة من العلاقات أساسها للسلم والتعاون (1). وبحكم انفتاح المغرب على وموقعه المجاور لنشأة هذا الشكل من التعاون، دشنت جماعاته هذا الشكل منذ مايزيد عن أربعين سنة (2).
ومن ثم فإن جذور هذا التعاون تعود إلى ممارسة عملية التوأمة التي تم تدشينها في بداية الستينات (3). رغم عدم وجود إطار قانوني في تلك الفترة ( ظهير 23 يونيو 1960 المتعلق بالتنظيم الجماعي (4) ؛ ظهير 12 شتنبر 1963 المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم (5) ؛ ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي (6)). وأمام هذا الفراغ التشريعي، اضطرت الحكومة المغربية آنذاك إلى تنظيم ظاهرة التعاون اللامركزي الدولي المتجسد وقتئذ في اتفاقيات التوأمة التي أصبحت أعدادها في تطور متزايد عن طريق دورية وزير الداخلية رقم /DCL/DAL/217 في 21 يناير 1986 والتي وضعت مسطرة لإبرام التوأمات، وبناءا على الدورية فإن الجماعات ملزمة بتقديم تقرير مفصل حول الجماعات الأجنبية المقترحة لوزير الداخلية، تتضمن تفاصيل حول جغرافيته حياتها الاقتصادية والاجتماعية وكذلك معالمها المشتركة مع المدينة المغربية (7)
ودائما في إطار فراغ تشريعي ينظم هذه العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين الجماعات الترابية الوطنية ونظيراتها الأجنبية، سيخطو الميثاق الجهوي لسنة 1997 ( خطوة هامة في اتجاه دعم القدرة التعاقدية للجهة التي أصبحت مع التعديل الدستوري لسنة 1992 جماعة محلية (9). ولكن القانون المنظم للجهات لم يشر صراحة إلى التعاون الدولي لهذه الوحدات الترابية .غير وأنه اعتبارا لصفتها كجماعة ترابية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي، فلاشيء يمنع مجالس الجهات من تطوير وتنمية علاقات الصداقة والتعاون مع نظيراتها الأجنبية مستندة في ذلك على الآليات القانونية في هذا المجال لصالح الجماعات الترابية الأخرى.
وقد كان يجب انتظار صدور الميثاق الجماعي (10) والقانون المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم في 3 أكتوبر 2002 (11)، لوضع أول أساس قانوني منظم لمختلف أشكال الأعمال الخارجية والتبادل مع الجماعات الترابية الأجنبية، وذلك في إطار عام من تعميق نسبي للامركزية، من خلال توسيع مسؤوليات الجماعات الترابية، وذلك في إطار دعم لأهمية تقنية للشراكة والتعاون في تدبير الشأن المحلي.
إن قراءة متفحصة لهذه النصوص وتحليلها يمكن من تسجيل مجموعة من الملاحظات المهمة، والتي يمكن اعتبارها للمعالم الرئيسية لتنظيم المشرع المغربي للتعاون اللامركزي، ونجمعها في ما يلي :
أورد المشرع أعمال التعاون اللامركزي الدولي ضمن الاختصاصات الذاتية للجماعة (المادة 42) والعمالة والإقليم (المادة 36)، والتي تمارسها في إطار اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهو بذلك يتجاوز الصفة الاستثنائية والرمزية التي كانت تميز أشكال المبادلات مع الجماعات الترابية الأجنبية، حيث جعل من التعاون اللامركزي الدولي آلية من آليات تدبير قضايا الجماعة والعمالة والإقليم والدفع بالتنمية المحلية بصفة عامة. هذه الأخيرة التي أصبح من الممكن تدبيرها في إطار علاقات تتجاوز الحدود السياسية للمغرب ؛
يميز المشرع المغربي بين التعاون اللامركزي والتوأمة والانخراط والمشاركة في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية، باعتبار كل واحد منها شكل من أشكال التبادل التي يمكن أن تربط الجماعة المغربية مع إحدى أو مجموعة من الجماعات الترابية الأجنبية ؛
على غرار المشرع الفرنسي، فقد حدد شركاء الجماعة في أعمال التعاون اللامركزي مثلما هو الشأن لباقي أشكال التبادل الأخرى- في الجماعات الترابية الأجنبية، ولم يستعمل النص كما هو واضح مفهوم الجماعات المحلية وإنما الجماعات الترابية للتأكيد على الطابع الترابي للشريك وتجاوز إمكانات اتساع مفهوم الجماعة المحلية إلى غير ذلك، كما يقصر النص الشركاء في الجماعات الترابية تحت دولتية، ويقصي صراحة إمكانية التعاقد مع دولة أجنبية، باعتبار ذلك من اختصاصات الدولة المغربية كشخص من أشخاص العلاقات الدولية والقانون الدولي. وفي نفس الإطار فإن اتفاقيات التعاون اللامركزي سواء الجماعات الحضرية أو القروية أو مجالس العمالات والأقاليم يجب أن تحترم الالتزامات الدولية للدولة، ما يعني أنها يجب أن تأخذ بعين الاعتبار السياسة الخارجية للدولة والتي تنفرد بتحديدها السلطات المركزية المختصة (12).
إن استعراض كل هذه المعطيات التاريخية و القانونية للتعاون الدولي لجماعاتنا الترابية يفرض علينا إعطاء تعريف للمصطلحات المستعملة في هذا الموضوع :
I. مفهوم التعاون اللامركزي : أصبح التعاون اللامركزي يظهر تدريجيا على المستوى الدولي كأحد المفاهيم الجديدة. والتي تمر حاليا بمرحلة التشكل، وهو مفهوم لازال في حركية، ولم يصل بعد إلى توفير معايير ضابطة له.
وعلى اعتبار مفهوم التعاون اللامركزي مفهوم حديث، ولازال في مرحلة التشكل، فإن تناوله يكتسي أهمية خاصة.
هناك مفهومين، للتعاون اللامركزي :
أ. المفهوم الواسع
هذا المفهوم، تتبناه بعض الدول وبعض الهيئات متعددة الأطراف، فهو يمنح صفة فاعل أساسي في التعاون اللامركزي لكل المتدخلين المحليين، سواء كان جماعة ترابية (جماعات، جهات...)، أو جمعيات، ومجموعات محلية ( منظمات غير حكومية)، أو منظمات قطاع الإنتاج (النقابات، التعاونيات).
يتبنى هذا الاتجاه الإتحاد الأوروبي، فحسب هذا المفهوم : يدخل في إطار فاعلي التعاون اللامركزي، «المنظمات (المستقلة وغير الربحية) التي تضم هيئات المجتمع المدني خارج الحكومة، والإدارة العمومية » ومن هذه الهيئات « المنظمات غير الحكومية، والمنظمات المجموعاتية والجمعيات التمثيلية، والشركاء الاجتماعيين (نقابات، جمعيات)، وجمعيات القطاع الخاص، والحركات الدينية، والجامعات » (13) ؛
ب. المفهوم الضيق
يحصر هذا المفهوم، فاعلي التعاون اللامركزي في الجماعات الترابية (جماعات، جهات، أقاليم ومجموعاتها)، تتبنى هذا المفهوم فرنسا، فحسب قانون 6 فبراير 1992، الذي ينص على أن الجماعات الترابية الفرنسية- جهات، مدن أو مجموعة جماعات- لها الحق في « عقد اتفاقيات مع جماعات ترابية أجنبية ومجموعاتها، في حدود الاختصاصات، وفي إطار احترام الالتزامات الدولية لفرنسا » (14).
بالنسبة للمغرب، ليس هناك نص قانوني يعرف التعاون اللامركزي، بقدر ماهناك ممارسة تدفع باتجاه تبني المفهومين.
يمكن تعريف التعاون اللامركزي بأنه الفعل الخارجي لهيئات غير حكومية، وبشكل أساسي الفعل الخارجي للجماعات الترابية.
أما الجماعات الترابية، فقد تم تعريفها كما يلي :
أ. طبقا للمادة 135 من الدستور المغربي لسنة 2011 :
« الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات.
الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية... » (15) ؛
ب. الجماعة الترابية عبارة عن وحدة ترابية يتم تعيين حدودها الجغرافية بشكل دقيق طبقا لاعتبارات تاريخية وسوسيو قبلية وثقافية واقتصادية ومؤسساتية أو سعيا لتحقيق تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة ؛
ت . ويتولى تدبير شؤون الجماعة الترابية أجهزة خاصة بها : مجلس منتخب، مجلس تنفيذي منتخب أو معين (16
.
تشكل دراسة التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية فرصة مهمة للوقوف على الأسس المنظمة لهذا النمط من التعاون الذي أخذ يتسع بشكل ملفت للنظر ، وكذا لتقييم واقع ووضع آفاق للتعاون الدولي لجماعاتنا الترابية.
وتبعا لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تم تنظيم التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية وما هو واقعه وما هي آفاق تطويره ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية :
ما هي مبادئ التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية ؛
ماهي أنواع التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية ؛
ماهو واقع التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية ؛
ماهي آفاق تطوير التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية
.
ومما سبق، فقد تقرر تناول موضوع التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية وفق المبحثين التاليين :
المبحث الأول : الإطار النظري للتعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية ؛
المبحث الثاني : واقع وآفاق التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية.
المبحث الأول
الإطار النظري للتعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية
إن التأسيس النظري للإشكالات التي أثرناها أعلاه، سيكون إذن هو مضمون هذا المبحث، وذلك استجابة للضرورة المنهجية التي تقتضي في مثل هذه الحالة، تأمل المبادئ وتفكيكها قبل الخوض في تجلياتها العملية والتجريبية. أما المطلب الثاني من هذا المبحث، فإن التعاطي التحليلي فيه سيتم مع « أنواع التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية »، حيث سيجري تأملها من أجل معرفة كل نوع على حدة.
المطلب الأول : مبادئ التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية
إن التمييز بين مبادئ التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية ليس بالأمر اليسير، نظرا لكون هذه المبادئ عرفت نوعا من الخلط في تحديد هذه المبادئ.
ولكن التمعن في الوثائق التي بحث فيها مكنتنا من إيجاد خمسة مبادئ الأكثر تداولا وهي : التضامن (الفقرة الأولى)، عدم التدخل (الفقرة الثانية)، عدم التمييز (الفقرة الثالثة)، إشراك الساكنة (الفقرة الرابعة)، ثنائية اللغة (الفقرة الخامسة).
الفقرة الأولى : التضامن
إن مبدأ التضامن في ميدان التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية قد عرف في السنوات الأخيرة معنى آخر. فقد تم تفسيره على أنه ترابط اقتصادي مطلوب بين بلدان الشمال والجنوب.
هذا المفهوم الجديد للتضامن، والترابط بين بلدان الشمال والجنوب يجد أساسه في ثلاثة مبررات :
لا تنمية لبلدان الشمال بدون إقلاع اقتصادي لبلدان الجنوب : بدون المواد الأولية فإن الآلة المنتجة في بلدان الشمال لن تدور. إن أي تنمية اقتصادية لبلدان الشمال يجب أن تمر عبر بلدان الجنوب. أي أن اقتصاديات دول الشمال ملزمة بالتضامن مع بلدان الجنوب ؛
إن الصعوبات الاقتصادية لبلدان الجنوب لها تأثيرات على بلدان الشمال من حيث قدرة الإنتاج في البلدان الصناعية ؛
وأخيرا، لايمكننا إغفال الآثار السلبية للفقر التي تعاني منها بلدان الجنوب (17).
من هنا يتضح أن بلدان الشمال لها مصلحة في التضامن مع بلدان الجنوب من أجل الحد من الآثار الاقتصادية السلبية لاقتصاديات بلدان الجنوب. وبالتالي تعزيز التكافؤ بين هذه البلدان.
إن التضامن بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب لا يعني أن يتم التدخل في الشؤون الذاتية لبلدان الجنوب وبالتالي جعل هذا التضامن ذا غاية إحسانية. وهو ما يلزم بلدان الشمال باحترام مبدأ عدم التدخل كأساس للعلاقات الدولية.
الفقرة الثانية : عدم التدخل
يشكل مبدأ عدم التدخل مبدأ أساسيا في ميدان العلاقات الدولية بين الدول. لقد تم تكريسه في القانون الدولي وعدة نصوص (كميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945) المتبناة من طرف منظمات دولية. هذا المبدأ مرتبط بشكل وثيق باستقلالية الاختصاص (18)، أي الحرية الكاملة والتامة في قرار كل دولة لايجوز لأي دولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض.
هذا المبدأ تم نقله إلى علاقات الجماعات الترابية. فإنه يكتسي نفس المعنى. فالجماعات المرتبطة بعلاقات ثنائية ومتعددة الأطراف، لايحق لها التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض.
إن الغاية من هذا المبدأ هي الحفاظ على حرية الجماعة الترابية واستبعاد أي شكل من أشكال الهيمنة الممارسة عليها.
مما سبق يتبين لنا أن مبدأ عدم التدخل شرط لا غنى عنه من أجل إقامة تعاون حر و متوازن بعيد عن أي تأخر في التفكير.
من الناحية العملية، فالتدخل يمكن أن يمارس بصفة غير مباشرة عن طريق : الإقصاء، التهميش أو بعلاقات غير متكافئة... لذلك فقد تم اعتماد مبدأ عدم التمييز من أجل تفادي مثل هذه المواقف في ميدان التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية.
الفقرة الثالثة : عدم التمييز
يستمد هذا المبدأ أساسه من مبدأ آخر في القانون الدولي العام ألا وهو المساواة القانونية بين الدول، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945 (19).
ونتيجة ذلك أنه من اللحظة التي أصبحت فيها المدينة عضوا فيها أي منظمة غير حكومية فلها الحق في أن تعامل كباقي أعضاء هذه المنظمات وبالخصوص في مسألة التصويت بدون النظر إلى حجم المدينة سواء صغيرة أو كبيرة، مختلفة كانت أو متشابهة.
إن أي تحيز عرقي، عقدي، إيديولوجي ، جغرافي لايمكن أن يسود ضد أية مدينة. فالمدن لها نفس الطريق لتسلكه.
إضافة إلى مبدأ عدم التمييز، فإن التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية تبنى أيضا مشاركة السكان في أعمال هذا التعاون.
الفقرة الرابعة : مشاركة السكان
مستمد من الفلسفة السياسية والقانونية الغربية، المبنية أساسا على المرء كعنصر رئيسي للنظام (20).
إن السلطة والمؤسسات السياسية مهيئة من أجل المصالحة بين السلطة وحرية الفرد. فالنظام القانوني الغربي تم خلقه في رحم القانون الروماني ومبادئ الثورة الفرنسية لسنة 1789، المعبرة عن حقوق وحريات المرء.
هذا النظام يعمل وفق خطوة فردية تضمن تمتع المرء الكامل والتام بحريته وملكيته.
لقد تأسست الديمقراطية الغربية على مفهوم تشاركي يتمثل في جعل المواطن في صلب القرار وفي تسيير الشأن العام. فهذه الديمقراطية الغربية تفرض تعبئة كافة المواطنين وليس فقط تدخل المتخصصين (21).
لتسهيل التواصل بين الشركاء، فإن التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية قد تبنى مبدأ ثنائية اللغة كوسيلة لتقريب الرؤى والتجارب بين جماعاتنا الترابية ونظيراتها الأجنبية.
الفقرة الخامسة : ثنائية اللغة
إن الازدواج في اللغة من شأنه أن يمكن جماعاتنا الترابية من التثقيف والتكوين. هذا المبدأ يفرض على ممثلي الجماعات الترابية أخذ طريق الانفتاح على الخارج، وذلك عن طريق تكوين وإعلام الأفراد بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم (22).
وأخيرا يتأتي تعزيز مبدأ ثنائية اللغة في إطار اعتماد إستراتيجية للنهوض باللامركزية حيث يعتبر « ورش تحديث تدبير الموارد البشرية بالجماعات الترابية »، من أهم الركائز الأساسية لهذه الإستراتيجية، خصوصا محور التكوين الذي اعتمد مقاربة جديدة ومنهجية مندمجة لتطوير قدرات الموارد البشرية على مستوى هذه الهيئات (23) .
إن السياسة الجديدة للتكوين وتطوير الكفايات، تسعى لضمان المشروعية والضبط والانسجام وتكامل تدخلات الهيئات اللامركزية، وذلك لتحقيق الأهداف الأساسية (24) :
لتحيين المعارف وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة ؛
لتطوير المؤهلات المعرفية والعملية والسلوكية (25)...
كما تعمل المديرية العامة للجماعات الترابية عبر التكوين على تقوية القدرات، على إدماج ورش التعاون جنوب- جنوب، خصوصا على المستوى الإفريقي (26).
وبالفعل، فإن ثنائية اللغة يجب أن تفهم على أنها وسيلة للتواصل والتقارب بين الشعوب والثقافات. ولا ينبغي أن تفسر على أنها إلغاء الثقافة واللغة الذاتيتين، حيث أن هذا المبدأ يهدف إلى التأقلم وليس التضحية باللغة الأم وبالثقافة التقليدية (27).
إن معرفة مبادئ التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية قد اكتست أهمية بالغة في تحديد اللبنات التي بني عليها هذا النمط من التعاون. ولكن الإلمام بأنواع التعاون اللامركزي الدولي يفرض نفسه بقوة أيضا.
المطلب الثاني : أنواع التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية
إن التعاون الدولي اللامركزي يمكن من اكتساب التجارب الدولية في مجال تدبير الشأن العام المحلي (28). والإطلاع على منجزات الجماعات الترابية الأجنبية لاسيما في المجال الاقتصادي، ولكي تستفيد منها جماعاتنا المحلية أثناء وضع مخططاتها وبرامجها الاقتصادية.
ويمكن التعاون الدولي أيضا الجماعات المغربية من التعارف على الشعوب الأخرى ومن ثمة العمل على تقريب أواصرها وثقافاتها في الوقت الذي يشهد فيه العالم بؤر توتر متعددة في جميع أنحاء المعمور (29).
الأكثر من ذلك، فالتعاون اللامركزي الدولي سيمكن الجماعات المغربية من تقديم صورة عن مؤهلاتها الطبيعية وطاقاتها الاقتصادية من أجل جلب أكبر عدد ممكن من الاستثمارات الأجنبية وبالتالي الحصول على العملة الصعبة، وتوفير فرص الشغل، وخلق دينامية جديدة داخل النسيج الاقتصادي المحلي، وبالتالي تأهيل الجماعات المحلية في مجال التدبير الاقتصادي والمنافسة والتسويق المجالي وذلك اقتداء بنظيراتنا الاسبانية والإيطالية والفرنسية.
ولتحقيق هذه الأهداف، يحتاج الأمر إلى إطار قانوني واضح ومرن ومحفز للجماعات الترابية للعب دور الشريك المتميز، والأخذ بالمبادرة والتنشيط في مجال التعاون اللامركزي (30).
تبعا لذلك، فقد ارتأينا تناول هذا المطلب وفق الفقرتين الآتيتين : التعاون الثنائي ( الفقرة الأولى) و التعاون متعدد الأطراف (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التعاون الثنائي
لقد تجسد التعاون الثنائي لجماعاتنا الترابية في إبرام اتفاقيات التوأمة واتفاقيات التعاون والشراكة والتبادل مع نظيراتها الأجنبية (31).
تبعا لذلك سوف نتناول اتفاقيات التوأمة (أ) واتفاقيات التعاون والشراكة (ب).
أ. اتفاقيات التوأمة
تعتبر التوأمة أقدم أشكال التعاون بين مدن العالم، وقد تم تحقيق أول مبادرة بالمغرب في هذا الشأن سنة 1963، على إثر توأمة مدينة فاس مع فلورنسا الإيطالية، وتعني كلمة التوأمة رغبة جماعة ترابية في التوأمة مع جماعة ترابية أخرى (32)، والاتفاق على توطيد التعاون بينهما وإعطاء مكانة مميزة لكل منهما لدى الآخر. وتتمثل هذه التوأمة في روح المودة، والتعاطف التي تسود العلاقة بين التوأمين. استنادا لبعض المقومات الثقافية أو الاقتصادية أو التاريخية أو الطبيعية المشتركة بينهما. وتعتبر التوأمة طريقة مثالية للتعارف شريطة أن تستثمر كل الإمكانيات التي تخولها للجماعات (33).
إن إبرام اتفاقيات التوأمة ينبغي أن يستتبعه تطلع واع لأهداف تخدم العلاقات بين الجماعتين، وتقوي الصلات والروابط بين مواطنيها، وأن يكون قرار التوأمة نابع من إرادة واعية (34).
وفي نفس السياق، فقد أبرمت جماعاتنا الترابية 48 توأمة مع بلدان القارة الأوروبية ؛ 13 توأمة مع بلدان القارة الأمريكية ؛ 22 توأمة مع بلدان القارة الأسيوية ؛ 48 توأمة مع بلدان القارة الإفريقية أي ما مجموعه 131 توأمة ، و123 مشروع توأمة الحاصلة على المرافقة الملكية (في انتظار التوقيع)، و165 مشروع توأمة في إطار الاتصالات الأولية (35).
على غرار اتفاقيات التوأمة، فإن جماعاتنا الترابية أبرمت اتفاقيات للتعاون والشراكة مع نظيراتها الأجنبية.
ب. اتفاقيات التعاون والشراكة
أورد المشرع أعمال التعاون اللامركزي ضمن الاختصاصات الذاتية للجماعة، والتي تمارسها في إطار اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وجعل من التعاون اللامركزي آلية من آليات تدبير قضايا الجماعة، والدفع بالتنمية المحلية بصفة عامة، في إطار علاقات تعاون تتجاوز الحدود السياسية للمغرب.
وتعتبر آلية التعاون اللامركزي وسيلة أساسية، وشرطا ضروريا للتنمية، تعرف على أنها اتفاقية من أجل الوصول إلى إيجاد صيغة ملائمة تمكن أطرافها من تحقيق أهداف مشتركة، أو غايات متشابهة من خلال توحيد الرؤى وتنسيق الجهود وتكامل القيم وتدليل بيئة صالحة للعمل المشترك (36).
ومما لا شك فيه أنه في حدود 1988 تاريخ أول اتفاقية، إذ كان التعاون ينحصر في نموذج التوأمة الذي كشف عن محدوديته، غير أن السياق الدولي والتوجهات الجديدة أسفرت عن إطلاق برامج التعاون اللامركزي الذي يستهدف مشروعا واحدا أو اثنين حيث تعمل الجماعات المحلية الحضرية والقروية والجماعات المحلية الأجنبية المتعاقدة على إنجازه، ومن جهة أخرى هو تعاون عبر عقد محدد المدة، إذن فالأطراف المتعاقدة تضع أجل لتحقيق المشروع، الذي على كل طرف احترامه، خلافا للتوأمة الذي يبقى أجله غير محدد (37)، كل هذا من أجل تأهيل اللامركزية الترابية وجعلها أكثر تنافسية ومردودية.
لقد قامت الجماعات الترابية المغربية بإبرام اتفاقيات كثيرة مهمة مع جماعات محلية أجنبية شملت جل قارات العالم، وداخل هذه المنظومة للتعاون تحتل فرنسا المرتبة الأولى ب67 اتفاقية تليها إسبانيا ب 19 اتفاقية، إيطاليا ب 10 اتفاقيات ، البرتغال ب 4 اتفاقيات، كندا ب 9 اتفاقيات، واتفاقية واحدة مع كل من ألمانيا وهولندا وسويسرا (38)...
وفي الأخير يمكن القول، أنه إذا كان التعاون الثنائي مهما، فإن التعاون متعدد الأطراف يفتح أفاقا واسعة للجماعات المغربية في الانخراط في العمل اللامركزي الدولي في ظل سيادة لغة السوق والعولمة الاقتصادية.
الفقرة الثانية : التعاون متعدد الأطراف
إن حضور الجماعات الترابية المغربية في المنظمات الدولية غير الحكومية حضور متميز وغزير، وذلك بانخراطها في مجموعة من هذه المنظمات ونذكر على سبيل المثال : منظمة المدن العربية ؛ اتحاد المدن الإفريقية ؛ منظمة المدن الناطقة كليا أو جزئيا بالفرنسية ؛ الإتحاد العالمي للمدن المتحدة ؛ منظمة المدن الكبرى (39).
فهذه المنظمات تهتم أساسا بتنمية المدن وتعزيز آفاق التعاون فيما بينها، وقد استغلت بعض الحواضر المغربية الكبرى، هذه الإمكانية لتضمن لنفسها حضورا متميزا وفاعلا على صعيد أجهزتها المسيرة، وعلى مستوى النشاط الذي تقوم به.
وقد عرف حضور الجماعات المحلية المغربية داخل المنظمات والجمعيات الجهوية والدولية المهتمة بالشؤون المحلية، تطورا ملموسا تجلى في انخراط مكثف في عدة منظمات وفي المشاركة في العديد من التظاهرات واللقاءات التي تنظمها هذه الأخيرة ، وتحتضن مدينة الرباط مقر اتحاد المدن الإفريقية ومقر مجلس الجماعات والجهات الإفريقية، هذه المنظمة، التي تضم جميع الجماعات المحلية، والجمعيات الوطنية للسلطات المحلية، وقد كان تمثيل الجماعات داخل هذه المنظمات غير الحكومية قويا بالمقارنة مع نسبة الجماعات الحضرية والقروية المنخرطة، بالإضافة إلى المشاركة المغربية في المنتديات الدولية من خلال المنتخبين المحليين في التظاهرات خارج الوطن لدى المدن والمنظمات الدولية غير الحكومية التي تنخرط فيها الجماعات الترابية المغربية (40).
ويتجلى هذا النشاط في احتضان المغرب لعدة لقاءات وندوات من جهة وفي المشاركة الفعالة لممثلي الجماعات المحلية في اللقاءات المنظمة خارج المغرب من جهة أخرى، ومن جملة اللقاءات المهمة التي انعقدت بالمغرب نذكر ما يلي:
المؤتمر الخامس لمنظمة المدن العربية بالرباط ؛
المؤتمر العاشر للإتحاد العالمي للمدن المتوأمة المنعقد بالدار البيضاء والذي حضره أكثر من 2000 مشارك وفدوا من جميع أنحاء العالم ؛
الدورة الثانية للمؤتمر العام للجمعية الدولية للمدن الناطقة كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية الذي انعقد بالرباط ؛
انعقاد عدة دورات للهيئات المسيرة لأهم المنظمات، من أجل الاستفادة من آليات تدبيرية جديدة (41)...
بعد استعراض هذه المعطيات الهامة عن الإطار النظري للتعاون الدولي لجماعاتنا الترابية والتي بدت لنا مواكبة للتوجهات الوطنية في مجال تدعيم سياسة اللامركزية الترابية كنمط لإشراك المواطنين في تسيير شؤونهم عن طريق مجالس منتخبة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن ماهو واقع التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية وماهي آفاق تطويره ؟
المبحث الثاني
واقع التعاون الدولي للجماعات الترابي المغربية وآفاق تطويره
إن كان المغزى من التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية هو مواجهة كل أشكال التحديات، وفي مقدمتها التحديات الاقتصادية التي أصبحت مفروضة على بلادنا حاضرا ومستقبلا، في إطار الشراكة مع الإتحاد الأوروبي وللانخراط في متطلبات الألفية الثالثة من جهة ثانية، إلا أن محاولة تطبيقها على الواقع اللامركزي المغربي بدون التحقق من وملائمته لروح النشاط الاقتصادي المحلي، قد يصطدم بمجموعة من العراقيل نتيجة تباين أصناف الجماعات المحلية واختلاف القدرات الاقتصادية لكل واحدة منها. فبالرغم من المجهودات التي تبدل من أجل تحديث الإدارة المحلية فإن هذه الأخيرة لا تزال تعرف بطء ملحوظا في عدة مستويات مرتبطة من جهة ببنياتها الهيكلية والتنظيمية (المطلب الأول)، ومن جهة أخرى بحدود ذات طبيعة واقعية ( المطلب الثاني). وهو ما يدفعنا إلى وضع آفاق تحل هذه العراقيل (المطلب الثالث).
المطلب الأول : الحدود ذات الطبيعة القانونية
بالرغم من المجهودات التي يبدلها المغرب في مجال اللامركزية، فإن واقع الحال يثبت الحضور القوي للسلطات المركزية في صناعة القرار المحلي خاصة المرتبط بمجالات التعاون اللامركزي. إن القيام بقراءة بسيطة لاختصاصات الجماعات الترابية يوضح الحضور الكثيف لممثلي الإدارة المركزية في اعتماد القرارات المتعلقة بالشراكة والتعاون، سواء في مجال رقابة الملائمة أو المسؤولية (42). إضافة إلى استعمال المشرع المغربي لعدة ألفاظ وتعابير غامضة وعامة وفضفاضة عند استعراضه لمختلف اختصاصات المجالس المنتخبة (المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية) واختصاصات رؤساء المجالس الحضرية والقروية. وحتى على مستوى الأجهزة التنفيذية للعمالات والأقاليم والجهات، ورغم أن المهمة التنفيذية بيد ممثل الدولة (الوالي أو العامل) فإن الأمور ليست واضحة (43).
تبعا لذلك سوف نتناول في هذا المطلب إشكالية الوصاية (الفقرة الأولى) وغموض النصوص القانونية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : إشكالية الوصاية
تشكل الوصاية ركنا أساسيا من أركان اللامركزية، ولها دور فاعل في تدبير الشأن المحلي، باعتبار الأهداف التي تعمل على تحقيقها على تحقيقها سواء على المستوى السياسي الإداري أو الاقتصادي المالي.
والوصاية تشكل تعبيرا عن الاستقلال النسبي لهيئة إدارية ترابية ما؛ فاللامركزية لا تعني إضفاء الحرية المطلقة على العمل اللامركزي، سيما أن الوصاية تستند في تطبيقها على نص تشريعي يحدد مضمونها وآلياتها علما بأن هذه الوصاية لا تتنافى مع اللامركزية الترابية باعتبار أنها لا تكتسي صبغة الرئاسة التي تصدر الأوامر، إلا أن هذه الوصاية كلما اهتمت برقابة الشرعية وابتعدت عن رقابة الملائمة، كانت أكثر انسجاما مع المفهوم الحديث للامركزية الترابية.
ويتبين ذلك مثلا من خلال آجال المصادقة التي - بالرغم من محاولة المشرع تقليص آجالها- تعرقل عمل المجلس، إذ يتطلب الأمر الانتظار طويلا حتى تتم عملية المصادقة، خصوصا أن آجال المصادقة في الكثير من الحالات لا يتم احترامها، ثم إن هناك بعض المواد الخاضعة للمصادقة المسبقة، والتي تهم بالأساس مسائل مالية محضة، وبالتالي عدم ترك أية فرصة للمجلس الجماعي في اتخاذ القرارات بصفة مستقلة، لأن المقررات هي دائما تنطوي على تحملات مالية، وهو ما ينعكس سلبا على المشاريع الجماعية المحلية، أهمها اتفاقيات التعاون اللامركزي، حيث نجد هناك نوعين من الوصاية الممارسة على هذه الأخيرة ممثلة في الوصاية الإدارية الممارسة من طرف وزارة الداخلية ( المديرية العامة للجماعات المحلية : مديرية الشؤون القانونية والدراسات والتوثيق والتعاون : قسم التعاون اللامركزي (44) بالنسبة للجماعات الترابية ( الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية، والوالي والعامل بالنسبة للجماعات القروية (45) ) والوصاية القضائية الممارسة من طرف المجالس الجهوية للحسابات (46).
إلى جانب إشكالية الوصاية، فإن النصوص المنظمة للجماعات الترابية تتسم بنوع من الغموض وهو ما يحد من فعالية استثمارها في ميدان التعاون اللامركزي وخصوصا الدولي منه.
الفقرة الثانية : غموض النصوص القانونية
إن المشرع المغربي اعتمد في كافة التشريعات الأساسية المنظمة للجماعات الترابية المقتضى العام للاختصاصات وصيغ مبهمة وفضفاضة كثيرة، بحيث أورد عبارات وتعابير عامة وعائمة تسمح لكل صنف من الجماعات اللامركزية بالتدخل في كل المجالات وفي كل القطاعات والقضايا المرتبطة بها وذلك حسب إمكاناتها المالية وإرادتها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية لدرجة أنه ليس ممكنا مع المقتضى العام للاختصاصات Clause générale des compétences رسم حدود واضحة لتدخلاتها اللهم إذا تدخلت السلطة الوصية لمنعها أو أحجمت هي عن الاضطلاع بها لضغوطات سياسية أو تقيدت بحدودها الترابية (47).
كما يتجلى غموض النصوص القانونية المنظمة للجماعات الترابية في جانب مهم من التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية في إبرام اتفاقية التوأمة فحضور الوالي يعني الموافقة الرمزية، وأن غيابه يعني عدم الموافقة وفي حالات أخرى مثلا يجب انتظار ثلاثة أشهر، وإذا لم يوافق الوالي أو العامل فهذا يعني أن هناك موافقة ضمنية، إذ يعتبر سكوت السلطات المركزية بعد انقضاء ثلاثة أشهر موافقة ضمنية، وهنا يطرح مشكل في حالة إذا ما تم تحديد أجل مع الجماعة المراد إبرام اتفاقية التوأمة معها، وأن هذا الأجل المحدد قد مر، فإن الاتفاقية لم يعد لها وجود رغم الموافقة الضمنية للسلطات، وبجانب هذا المشكل يطرح مشكل آخر يعرقل مسار التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية، فعندما تريد مدينة أو شبكة من المدن القيام بتعاون دولي مع مدينة مغربية ويتم إبرام اتفاقية أو برتوكول تعاون، فالمسطرة المتبعة جد معقدة وتتصف بالبطء، إذ يجب أولا موافقة مجلس الجماعة الترابية فالرئيس لا يمكنه إدراج مسألة التعاون اللامركزي في دورة استثنائية، إذ يجب عليه انتظار دورة عادية، حتى تتم الموافقة. فالتعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية لا يمكن أن يناقش في إطار مجلس الجماعة إلا في دورة عادية، بعد موافقة المجلس يجب تقديم الاتفاقيات للولاية أو العمالة التي ترسلها لوزير الداخلية عبر المديرية العامة للجماعات المحلية (48)، وفي هذه الحالة فإن الموافقة لا تعطى أبدا كتابة بل تظل ضمنية.
إن التعاون الدولي لجماعاتنا اصطدم إلى جانب الحدود ذات الطبيعة القانونية بحدود ذات طبيعة واقعية متمثلة في ضعف الموارد البشرية والمالية لجماعاتنا الترابية مما يعرقل برامج التعاون الدولي اللامركزي.
المطلب الثاني : الحدود ذات الطبيعة الواقعية
تعتبر الموارد البشرية والمالية حجر الزاوية في عمل الجماعات الترابية، لهذا فإن نجاح التعاون اللامركزي الدولي ببلادنا مرهون بحجم الإمكانيات المتوفرة لدى الجماعات الترابية، وبالفعل فإن الواقع البشري والمالي للتنظيم الترابي اللامركزي يطرح أكثر من إشكال بخصوص وسائل وإمكانات هذه الوحدات في إنجاح ما أنيط بها من أدوار تنموية (49).
ومما سبق فسوف نتطرق إلى دراسة ضعف الموارد المالية (الفقرة الأولى) وضعف الموارد البشرية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : ضعف الموارد المالية
لايمكن إنكار ضرورة المال من أجل تفعيل المقتضيات القانونية على أرض الواقع، فالعبرة ليس بما تخوله النصوص من اختصاصات وصلاحيات للمؤسسات، بل إن ذلك مرهون بمدى توفر الوسائل المادية من أجل ترجمتها على أرض الواقع (50)، ولاشك أن التمويل يشكل أحد العناصر الأساسية التي تمكن أي تنظيم لامركزي من القيام بنشاطه سواء في تغطية النفقات الاستهلاكية أو في ميدان تمويل الاستثمارات، وعليه فالتمويل يعد معيارا حاسما لقياس درجة الفعل التنموي الترابي.
وإذا كانت ميزانيات بعض الجماعات المحلية خاصة الدول المتقدمة، تجد بين فقراتها اليوم مكانا للتعاون اللامركزي، فإن ذلك يرتبط أساسا بموارد الجماعة وبالأهمية التي توليها للتعاون اللامركزي (51)، لكن ذلك يرتبط كذلك بمدى استيعاب النظام القانوني العام لإمكانية إلزام ميزانية الجماعة بتكاليف تخص أعمالا قد تتجاوز نطاقها الترابي، بل نطاق الدولة الأم. وبصيغة أخرى استيعاب وجه المصلحة العامة لأعمال تعاون مرتبطة بوحدات ترابية وساكنة محلية خارج الحدود السياسية للدولة، والتي على أساسها تلتزم الجماعة ماليا، ولهذا التساؤل موقع جوهري في مشروعية إلزام الميزانية المحلية في إطار التعاون اللامركزي، خاصة إذا كانت تستهدف منجزات خارج الإطار الترابي (52).
فالموارد المالية للجماعات الترابية ، تبقى دون المستوى المطلوب، مما يحول دون ممارسة غالبية المجالس المحلية للصلاحيات و الاختصاصات المخولة لها بمقتضى النصوص القانونية المنظمة لها، وعلى الرغم من وجود نوع من التنوع والتطور في موارد الجماعات الترابية (53)، إلا أنها تظل دون المستوى المطلوب لسد حاجيات السكان لتحقيق متطلبات وأهداف التنمية المحلية، ذلك أن التسيير المالي المحلي يعاني من عدة صعوبات، تتجلى أولا في عدم كفاية الموارد المالية المحلية، إضافة إلى التجاوزات القانونية والانحرافات المالية التي تعاني منها الجماعات الترابية (54).
كما أن النظام المالي الحالي عاجز عن تلبية الطلبات المحلية، حيث أن الموارد الذاتية لغالبية الجماعات المحلية لا تكفي لسد نفقات التسيير، فلا زالت جماعاتنا المحلية تعاني من إشكالات هيكلية في الاستقلالية وفي تدبير ماليتها المحلية خاصة المرتبطة بموارد الضرائب المحلية (55)، مما يضطرها للجوء إلى التمويل الاستثنائي ( الإعانات والمساعدات والقروض)، بإيعاز من المشرع تخويل الجماعات المحلية إمكانية الاستفادة من القروض بهدف تمويل مشاريع التجهيز، فإذا كانت هذه القروض تسمح لهذه الأخيرة بتمويل المشاريع الكبرى، فإن بعض سلبياتها تكمن في كونها تلقي بالعبء الجبائي على الأجيال القادمة.
إن العائق المالي الذي تعاني منه جماعاتنا الترابية في ميدان تعاونها الدولي ليس هو وحده الذي يحد من قدرة هذه الوحدات في هذا المجال ولكن هناك عائقا آخر يتمثل في ضعف الموارد البشرية الكفيلة بتحقيق البرامج المنجزة في إطار التعاون الدولي اللامركزي.
الفقرة الثانية : ضعف الموارد البشرية
إذا كانت الموارد المالية تمثل عنصرا مهما وأساسيا في التنمية المحلية، فإن الموارد البشرية الموضوعة رهن إشارة الجماعات الترابية بصفة دائمة، لا تقل أهمية بالنسبة لتطورها الاقتصادي والاجتماعي (56)، بل يشكل العنصر البشري المحرك الحقيقي لدواليب كل عملية تنموية.
غير أن هذا المورد الحيوي، رغم تطوره الكمي والنوعي فإنه ما يزال يعاني من معوقات عديدة، كعدم كفاية الأطر العاملة بالجماعات المحلية نتيجة تعدد المسؤوليات والمهام المنوطة بها، وكذا التقسيمات الترابية التي فرضت حاجات إضافية من الأطر بمختلف تخصصاتها تم التوزيع اللا متكافئ للأطر البشرية سواء على مستوى التأطير النوعي أو الجغرافي (57).
بالإضافة إلى العوائق البشرية هناك عوائق ثقافية، بشكل أدق عوائق نفسية- اجتماعية مكبوتة لدى كل من المنتخب المحلي والناخب على حد سواء، فنظامنا التربوي والإخباري في منأى عن التحولات المحدثة على مستوى هياكل المجتمع المحلي. وبالنتيجة فإن نجاح اللامركزية يرتبط بشكل كبير بمستوى التطور الثقافي للمجتمع والقدرة على إنتاج المعلومات الملائمة.
وخلاصة القول، فإنه لا سبيل لإطلاق التعاون نحو آفاق واسعة إلا إذا انصرف الاهتمام بالدرجة الأولى نحو المنتخب لرعايته بالتكوين (58) والتوعية وتحفيزه بكل الوسائل الممكنة حتى يدرك أن تدعيم الديمقراطية يتم بالتطلع إلى غايات أسمى من المصالح الشخصية أو الآنية، وأن الهدف الأساسي الذي ينبغي أن يضعه كل منتخب نصب عينيه هو التنمية الشاملة لجماعته المرتبطة ارتباطا وثيقا بالتحولات التي تصيب المحيط الذي يتحرك فيه.
إن الدور المنوط بالمنتخبين يدعوهم إلى معرفة دقيقة لحقوقهم وواجباتهم، والتوفر على مؤهلات للتسيير والتدبير المؤسساتي، وإلى الاستعانة بالأدوات الضرورية للتسيير العصري، كالجداول التبيانية، ولوحة القيادة، والمؤشرات المالية، والأصناف النموذجية، والعقود والاتفاقيات النموذجية، وبنك للمعطيات، ودلائل عامة أو قطاعية قادرة على مساعدتهم على إدراك دورهم داخل الجماعات المحلية قصد تسيير أفضل للشأن المحلي. يجب وضع برنامج لتكوين وإعلام المنتخبين والموظفين بالجماعات الترابية (59).
بعد استعراضنا لواقع التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية الذي يعاني من بعض الحدود ذات الطبيعة القانونية أو الواقعية، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ماهي الآفاق التي ستمكننا من تطوير التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية من أجل إعطاء قيمة مضافة للأوراش المفتوحة من طرف بلادنا في مجال تدعيم اللامركزية الترابية ؟
المطلب الثالث : آفاق تطوير التعاون الدولي للجماعات الترابية المغربية
لعل التعثر المأسوف عليه الذي شاب سير التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية هو الذي ألهم الخطاب السياسي المغربي إلى الإعلان عن رغبة عارمة وعزيمة يقينية للارتقاء بالنظام اللامركزي إلى وضع متقدم يقوم على الجهوية المتقدمة (60)، تحظى فيه الجماعات الترابية بمكانة قانونية متميزة، تستطيع من خلاله القيام بالأدوار التنموية المناطة بها.
والمسألة الجوهرية التي ينبغي فهمها في مسار تدعيم اللامركزية الترابية ببلادنا، لأن المغرب عرف طفرة نوعية في مجال التعاون اللامركزي الدولي حيث تم تكريس مقتضيات جديدة في هذا الميدان من قبيل تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو- متوسطي ؛ تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، لاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء ؛ تقوية التعاون جنوب- جنوب (61).
وبناء على ما تقدم ذكره فإن الضرورة المنهجية تقتضي تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين أولهن تهم الإطار الفكري الجديد للتعاون الدولي اللامركزي، وثانيها يخص الإطار العملي الجديد لهذا النمط من التعاون.
الفقرة الأولى : الإطار الفكري الجديد للتعاون الدولي اللامركزي
يشكل التعاون الدولي اللامركزي فرصة مهمة لتطوير قدرات الجماعات الترابية في المغرب من حيث أنه إطار للتقريب بين تجارب المجالس المحلية وكذلك فضاء للتضامن من حيث إقرار التضامن والمسؤولية الاجتماعية. فضلا عن دوره في التقريب بين الثقافات. إن ضمان تحقيق هذه الأهداف يتطلب وضع أولويات في عمل الجماعات الترابية يمكن تحديد أهمها في :
توضيح العلاقة بين القانوني والاقتصادي لما في عمل الجماعات الترابية بما يمكن من تعزيز دورها في النشاط الاقتصادي وكذلك بما يفعل اختصاصها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية (62) ؛
إضفاء مرونة أكثر على العلاقات القائمة بين وحدات عدم التركيز والمجالس المنتخبة ومنحها صلاحيات وتمثيليتها الديمقراطية (63) ؛
ضرورة الإشارة الصريحة في القانون التنظيمي المتعلق باختصاصات الجماعات الترابية الذي سيرى النور قريبا إلى إمكانية مجموعات الجماعات الترابية لاتفاقيات التعاون اللامركزي الدولي ؛
ضرورة إصدار قانون خاص ينظم الشراكة من أجل السماح بتشجيع وتوفير الأمان للاستثمارات والمبادرات ويساعد على توضيح الوضعيات القانونية للمتعاقدين وتبيان الإجراءات الواجب إتباعها لاختيار الشريك والالتزامات والحقوق المتعلقة بالأطراف المتعاقدة. كما قد يوضح الجوانب الضريبية وغيرها (64). وعلى سبيل المقارنة، نلاحظ أنه في الدول المتقدمة توجد بالفعل نصوص قانونية تنظم الشراكة خاصة شراكة القطاعين العام والخاص كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية (65)، أما في فرنسا فقد صدر مرسوم (ordonnance) بتاريخ 17 يونيو 2004 بشأن عقود الشراكة حدد النظام القانوني للعقود الشمولية التي بموجبها تسند الإدارات إلى الفاعلين الاقتصاديين إنجاز مشاريع أو تحقيق تجهيزات أو غير ذلك ؛
وضع إستراتيجية وطنية لدعم التعاون اللامركزي، بإنشاء ميثاق للتعاون اللامركزي ؛
صياغة النصوص القانونية الجديدة بالنسبة للتعاون اللامركزي التي لا تزال تعرف فراغ قانوني، فنجاح اللامركزية رهين بتفويض الاختصاصات مع الوسائل المالية اللازمة لذلك.
كل هذه المعطيات المقترحة في مجال الإطار الفكري الجديد للتعاون الدولي اللامركزي تبقى ناقصة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عملية جديدة من شأنها مواكبة هذه الأسس الفكرية.
الفقرة الثانية : الإطار العملي الجديد للتعاون الدولي اللامركزي
إن مواجهة التحديات الهيكلية للتنمية في المستقبل تتوقف على قدرتنا على إقرار ديمقراطية حقيقية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، وبناء اقتصاد مزدهر ومندمج وتنافسي، حيث نجاح المغرب في تدعيم اللامركزية يفرض عليه نتيجة العولمة والتحولات الجارية بالعالم التأكيد على شرط أساسي ألا وهو النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى هندسة مجتمع متشبع بقيم الحداثة وذلك عن طريق الإجراءات الآتية :
إدخال قاعدة « La règle des trois E » (66) (المحرك الرئيسي للممارسة المالية في الجماعات الترابية الكندية) : الاقتصاد économie / الفعالية efficacité من خلال التسريع من آليات اتخاذ القرار / النجاعة efficience في بناء التعاون على معايير موضوعية ؛
توسيع نطاق التعاون ما بين الجماعات الأجنبية والجماعات القروية ؛
دعم المجتمع المدني وجذب المستثمرين من الشركات المتوسطة والصغيرة، لتعبئة التعاون اللامركزي وجعله شريكا في صياغة أولويات التنمية المحلية، كما هو الحال في العديد من المجتمعات المحلية التي تشهد تنمية سريعة ؛
تقوية قدرات الجماعات الترابية في مجال إعداد وتصور وتنفيذ وتقييم المشاريع التنموية من أجل تدبير أفضل للسياسات العمومية الترابية ؛
العمل على نقل البرامج المعتمدة في إطار التعاون اللامركزي من منطق الصدقة والمساعدة إلى مستوى الشراكة وتحقيق الرفاهية المشتركة ؛
تقوية المصالح الإدارية والتقنية وانفتاحها على الوسائل التدبيرية والإعلامية الجديدة خاصة المقتربات التدبيرية الجديدة، كتدبير المشاريع على أساس النتائج ومقاربات النوع الاجتماعي والتخطيط الإستراتيجي والتدبير التوقعي للموارد والكفاءات واعتماد مقاربات السياسات العمومية.
خاتمة عامة
وفي الختام، يتبين لنا أن التعاون الدولي لجماعاتنا الترابية قد عرف تطورا ملموسا في السنوات الأخيرة بفعل المجهودات المبذولة منذ الاستقلال إلى اليوم في مجال تدعيم اللامركزية الترابية كنمط لتسيير الشأن المحلي بما يخدم مصلحة المواطنين في تنميته الاقتصادية والاجتماعية .
إن التعاون اللامركزي الدولي أصبح اليوم مكونا هاما من مكونات الإستراتيجية الترابية للجماعة المحلية، في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الأخيرة مطالبة بدور أكبر يتوافق و التحولات الكبرى المعاصرة.
و رغم أننا نعتبر تنصيص المشرع المغربي في قوانين اللامركزية الجديدة على آلية التعاون اللامركزي كاختصاص ذاتي للجماعات الترابية (الجماعة الحضرية و القروية و العمالات و الأقاليم ) خطوة هامة في سبيل تأهيل الجماعات المحلية المغربية لمواجهة تحديات التنمية المحلية المستدامة، فإننا نعتقد أن فعالية أي اختصاص أو آلية في هذا الإطار يتوقف في واقع الأمر على تأهيل شامل للمركزية المغربية بمختلف مكوناتها، من أجل الاندماج في المسلسل العالمي للتنمية المستدامة، الذي يتوقف نجاحه بشكل كبير على دور الجماعات المحلية، باعتبارها المؤسسات الترابية الأقرب للمواطنين.
و باطلاعنا على المشهد العام اللامركزية المغربية من حيث استطاعتها، بخصائصها الحالية، مواجهة تحديات التنمية المحلية المستدامة، نقف على مجموعة من مواطن الضعف، التي من شأنها إضعاف قدرتها التنموية.
مما دفعنا إلى استشراف آفاق جديدة للتعاون الدولي لجماعاتنا الترابية وخاصة ونحن أمام مقتضيات دستورية جديدة في مجال اللامركزية الترابية التي ستدفع بالمسلسل الديمقراطي ببلادنا بصفة عامة والتعاون الدولي اللامركزي بصفة خاصة إلى التطور ومسايرة التجارب المتقدمة في هذا المجال.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى